2019-11-01
طالما ناشد سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي فضيلة الامام الاكبر شيخ الازهر الشريف وفضيلة مفتي الديار .حول اهمية تطوير الخطاب الديني بإعتباره فرض عين لابد منه لمجابهة العديد من الافات بل والمخاطر الاجتماعية والمجتمعية التي تقترف تحت اسم الدين في ظل الفهم الخاطئ لصحيح الدين ويأتي في مقدمة هذه الافات والمخاطر "ظاهرة الارهاب". هنا قد يتسأل القارئ هل المقصود هو الحديث عن سماحة الاسلام والاسلام الوسطي ونبذ العنف والتطرف ام ان المقصود هو أبعد من ذلك بكثير. وهل ما يقصده سيادة الرئيس له علاقة برؤية اشمل تتعلق بتحقيق اهداف التنمية المستدامة التي يأتي في مقدمتها هدف مكافحة الفقر ومجابهته. وفي الواقع للاجابة على هذا السؤال لابد من رصد عدد من التساؤلات الفرعية كمقدمة لاعمال ذهن القارئ:
- هل آفة المسلمين فقط تتجسد في المغالاة في التطرف والتمسك بالقشور الخارجية أو التزمت
- هل بعض المشاكل اليومية التي قد تصل حدتها لدرجة الجرائم المجتمعية لها علاقة بالخطاب الديني كحادث القطار بالامس
- هل التقصير في العمل وتفضيل اداء الفرائض في اوقات العمل كبديل عنه امر له علاقة بالخطاب الديني
- هل انخفاض انتاجية العامل امر مرتبط من قريب او بعيد بالخطاب الديني
- هل التعايش والتسامج وحب الجار والعطف على الصغير والاحسان للكبير أمر متعلق بالخطاب الديني
- هل يقتصر الخطاب الديني على هذا القضايا السالفة فقط ام انه مرتبط بالامن القومي؟!
هنا اتوقف عن هذه التساؤلات لارصد علاقة الامن القومي بالخطاب الديني خاصة في اطار توجه عالمي ينادي بأهمية التسامح بين الاديان ونبذ العنف بين اتباع الدين الواحد واهمية الحب والمساواة والتفاهم والتأخي وتحقيق السلام الديني العالمي لتحقيق الشمول الاجتماعي وتحقيق اهداف التنمية المستدامة. البعض قد يتعجب من هذا الطرح فما علاقة هذه السطور بالامن القومي والخطاب الديني والمعارف المفترض ان يلم بها رجل الدين خلال اداء عمله.
في الواقع الامر مترابط بدرجة كبيرة ويمكنني رصد عدد من نقاط التلاقي كالاتي:
- هناك العديد من البرامج الدولية التي تستهدف تدريب رجال الدين حول مفهوم التقارب الروحي والمشترك بين الاديان وحل النزاعات التي لها جذور دينية عبر رجال الدين وما يسمى بالقادة الروحين
- خطورة التقارب الروحي والمشترك الابراهيمي تكمن في عدة نقاط لابد ان يلم بها رجال الدين لرفع الوعي الذاتي والمجتمعي بالمد الجديد:
o اعادة قراءة النص الديني في ضوء المشترك بين الاديان الثلاثة التي تنفي كل منها الاخر ويصبح المشترك فقط ديانة واحدة فقط الا وهي الديانة السماوية الاولي
o وجود مد لاعادة قراءة النص الديني من منظور سياسي وكذا اعادة قراءة الفعل السياسي من منظور ديني واصبح هذا المد احد التوجهات داخل الادارة الامريكية في اطار وجود ادارة كاملة "تحمل اسم فريق عمل الدين والسياسة الخارجية" مكون من مئة شخص نصفهم من رجال الدين من الاديان الثلاثة تهتم بقضايا المجتمع المدني والحوار بين الاديان والتقارب الروحي
o استخدام التقارب الروحي والمشترك الابراهيمي مجتمعيا لتبرير بعض الامور الجديدة مدنيا كالحديث عن ايجار الارحام والزواج بين اتباع الديانات الابراهيمية بصرف النظر عن الديانة الابراهيمية للزوج والزوجة فالمحك هو المشترك الابراهيمي
o دمج رجال الدين مع بعض القيادات الصوفية العالمية للحديث عن التصدي لبعض القضايا البيئة والاخلاقية في اطار المسار المفتوح لايمان الفرد بعض النظر عن ديانته او عدم انتمائه لدين بعينه كخطوة لتفريغ المقدس من جوهره والحديث عن الانتماء للانسانية وليس للمدن الدينية المقدسة
o الاخطر هو اعادة اعطاء الحق للشعوب الاصلية على الخريطة السياسي من منطلق النص الديني المشترك لتكون هى مصدر الحكم في العالم. ومن يقرر ذلك سيكون رجال الدين بصحبة الساسة والمفاوضين في قاعات من الدبلوماسية غير الرسمية التي ستصل لاتفاق يرتقي لتوافق رسمي
o وفي سبيل تحقيق ذلك لابد بالفعل في استقطاب شباب لتعليمهم صلوات جديدة تجمع الثلاثة اديان معا وحثهم على نشرها داخل دور العبادة ببلادهم وكذا البدء في كتابة كتاب دين ابراهيمي يجمع المشترك بين الاديان الثلاثة وينحي المختلف جانبا كخطوة لنزع القدسية عما هو مقدس
هنا سنجد ان الدين اصبح مطية سياسية لتغير الواقع والمجتمع بل والعلاقات الاجتماعية لذا علينا الوقوف مرة اخرى والتساؤل ماذا قصد سيادة الرئيس بتجديد الخطاب الديني وما هي سبل التجديد وهل المعنين فقط هم الازهر الشريف ودار الافتاء ووزارة الاوقاف ام ان هناك جهات اخرى معنية.
في الواقع ان الحديث عن تجديد الخطاب الديني لابد ان يشمل عدة ابعاد رئيسة:
اولاً: فهم واتسعاب مفهوم الامن القومي بإعتباره يشمل كافة المهددات التي تمس امن وسلامة الدولة فلم يعد يقتصر عن المخاطر العسكرية بمعناها التقليدي. والفهم والاستيعاب لابد له ان ينعكس في فحوى الخطاب الامر الذي يقتضي معرفة المهددات والمخاطر الجديدة من الخطط التي تصفها مراكز الفكر الاجنبية والدولية كقضية التقارب الابراهيمي وخطورة ذلك على امن الدول والمنطقة
ثانياً: بناء عقلية نقدية تنعكس في طريقة التفكير وقبول الجديد ولكن مع تفنيده واعادة قراءته كي لا يتم قبول اية مفاهيم غربية تحت ستار الدين على ان ينعكس ذلك في التجديد الديني من قبل علماء الفقه والشريعة الامر الذي يتطلب تدريب العلماء الاجلاء على كيفية بناء العقلية النقدية والتفكير خارج الصندوق
ثالثاً: الدفاع عن الوطن وقيمته دينيا لتفنيد الادعاء بأن الانتماء للدين واتباع الدين وليس الارض فالدفاع عن الوطن واجب شرعي
واحترام ابناء وشركاء الوطن واجبا شرعيا كمكون رئيسي من مقتضيات الدفاع عن الارض على ان ينعكس ذلك داخل فحوى الخطاب
رابعاً: ابعاد واهدف التنمية المستدامة، فلم يعد رجال الدين بمنأى عن منظومة التنمية والاعمار فلابد من دحض الادعاء بأن مفاهيم
التنمية المستدامة تخص اهل الاقتصاد والتخطيط وانها منظومة غربية بالاساس بعيدة عن الدين. فهذا الادعاء ادعاء خاطئ وغير سليم عاري عن الصحة ويحتاج لاعادة نظرة وتدبر فلابد ان تحث خطب رجال الدين على اهمية الابعاد السبعة عشر للتنمية المستدامة كأهمية التعليم ومحاربة الفقر عبر قيمة العمل واحترام حقوق المرأة كواجب شرعي وتحقيق السلم المجتمعي والحفاظ على البيئة وحمايتها كما نص عليها الاسلام الحنيف.
خامساً: صورة الاسلام الوسطي وحقيقته السمحة والنموذج المصري السمح: قد يتعجب القارئ بأن هذا البند ترتيبه رقم خمسة رغم انه الاهم او الاقرب للذهن ولكنني استطيع الجزم بأنه اذا استطاع رجال الدين الالتزام بالبنود السابقة فسيتحقق هذا البند من البداية فصورة الاسلام الوسطي امر لا يتعلق فقط بالحديث عن الجنة وحب الخير والبعد عن المعاصي وأنما يحتاج لبناء مسلم ملم بأبعاد التنمية وحماية الوطن ومحب للفن والجمال ومؤمن بقيمة احترام الاخر. فالمسلم بالفعل من سلم الناس من لسانه ويده كما انه شخصية ايجابية مشاركة متعلمة منتجه مفيدة متوكلة آخذة بالاسباب وهذا ما يجب ان يصدر للعالم الخارجي.
سادساً: دحض المزاعم والفتاوي المتطرفة التي تصدرها بعض التنظيمات الارهابية التي تعكس اجندة سياسية بالاساس تراعي العنف والقتل وسفك الدماء لتحقيق مكاسب سياسية في المقابل فتلك الفتاوي تستخدم كمطية للكسب السياسي على حساب الدين الامر الذي يتطلب دحضها والتصدي لها
واذا انتقلت للاجابة عن الجهات المعنية بتصحيح وتجديد الخطاب الديني ستكون اجابتي متجهة باعتبارها مهمة وطنية تحتاج لتضافر
كافة الجهات، ولاكون اكثر عملية وتحديد سأقدم المقترحات والسياسات التالية للتكامل مع الرؤية السالفة:
• دور مراكز الفكر والبحوث :
o تقديم تدريبات لرجال الدين حول مفهوم وابعاد ومخاطر الامن القومي وسبل بناء عقلية نقدية ومخاطر تسييس الدين بما فيها مخاطر الحديث عن المشترك الابراهيمي
o تقديم تدريب حول كيفية قراءة الاسلام لاهداف التنمية المستدامة وانعكاس ذلك على فحوى الحطاب الشعبي
o تقديم اوراق سياسات ونشرات حول التحديات الجديدة وطرق مجابهتها من قبل رجال الدين o تنظيم مرتمرات مشتركة بين رجال الدين والعلماء والمفكرين ليصبحوا اكثر الماما بمختلف مجريات العلوم والتطورات الحديثة بالدولة وبالعالم الخارجي
• وزارة الخارجية المصرية:
o السفارات المصرية بالخارج: إتاحة الفرصة لرجال الدين وكبار العلماء لتقديم محاضرات حول صحيح الدين والنموذج المصري السمح الوسطي الذي يعكس الفهم الصحيح للدين الاسلامي لتصحيح شكل المسلم بالدول الافريقية والاوروبية والاسيوية التي شوهتها التنظيمات الارهابية التي ترفع شعار الدين
o المعهد الدبلوماسي: تقديم تدريبات لرجال الدين خاصة المبتعثين في الخارج حول cross culture studies وفن الاتيكات وعلم التفاوض والمهارات الدبلوماسية الواجب توافرها بهم بإعتبارهم من اهم السفراء لمصر بالخارج فهم يعكسون صورتها الخارجية خاصة انهم سفراء للازهر الشريف بالاساس محور الوسطية الاسلامية المصرية
• اكاديمية ناصر والمعاهد الامنية المصرية: تقديم ندوات تثقيفية حول مفهوم الامن القومي ودور رجال الدين في هذا المضمار
• الازهر الشريف بالتعاون مع بعض المراكز البحثية المتخصصة: تقديم استشارات لرجال الدين كخط ساخن لهم يقدم اجابات حول الاشكاليات المحيطة والتحديات الجديدة وابداء الرائ وتقديم المشورة حول المطلوب من رجال الدين ادائه والدور المبتغي
• جامعة الازهر الشريف: تقديم مقررات تتعلق بمفهوم الامن القومي والتربية الوطنية وبناء العقلية النقدية ومفهموم التنمية المستدامة والدراسات المستقبلية لتكون هذه القضايا احد ابعاد مكونات شحصية رجال الدين الاسلامي
• الازهر الشريف ودار الافتاء: التكامل معا لوضع تصور حول خطب المساجد والمحاضرات الواجب تقديمها لتعكس الابعاد سالفة الذكر
في الختام، اعتقد أننا اذا نظرنا لتجديد الخطاب الديني في اطار التفكير متعدد الابعاد في اطار تشابك القضايا المجتمعية والخروج من بوتقة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نظرة اشمل للحياة ليصبح الخطاب الديني اكثر شمولا وانفتاحا على العالم الخارجي يعكس العقلية النقدية والفكر الجمعي ويؤكد على ركائز الهوية الجمعية وحب الوطن وحماية اراضيه من منطلق الوعي بأهداف الامن القومي ومراعاة الانتاج والمشاركة وفق اهداف التنمية المستدامة ليصبح المسلم منتج وايجابي ومشارك. هنا سيستطيع الخطاب الديني دخض الارهاب والفكر الظلامي وبناء المسلم الحقيقي الذي يحتاجه الوطن لبناء ورفعة وحماية اراضيه.
SDFS Center © (2018 - 2025) All Right Reserved